أحيانا نلتزم بالصمت الغريب
ونعيش عزلة البوح لأيام طوال بل وشهور عديدة
وربما لسنوات مديدة
نحس أن الثورة تكاد تقتلع جذورنا
ولكن غيرنا يرانا في غاية الهدوء والسكينة
حالة يحسبها الناظر إلينا طمأنينة
ولكنها رباطة جأش وصبر على كل ما يجري من حولنا
إنها ثورة السكون
وسكون الثورة التي تتعالى بداخلنا
في صراخ صامت وصياح مبحوح
لا يفارق صداه مسامعنا
نعيش فيه لزمن لا يقاس بالساعات
وإنما بالزفرات والتنهدات والأنفاس العميقة
والنظرات البعيدة والوقفات التأملية
نصمت ونسكت ونرى ونتألم ونحس ونبتسم ونموت ونحيا ونتأذى وننسى
ولا أحد يسمع لنا صوتا ولا همسا
لنا عالمنا الخاص
حين تسود الدنيا أمامنا فنركن إلى أعماقنا
ونشعل شمعة الحنين والأمل
فننعم ببعض الغربة المريحة للروح والأعصاب
نكلم ذواتنا بما نحلم ونريد
نشعر بالآلام ونقاسيها
نحس بالجمال ونجول بنظراتنا خلاله
نحب ونكره ونخط الأمنيات ونرسم الطموحات
ولا أحد يلقي لنا بالا
ومن طيبتنا أننا لا نريد من أحد أن يفكر مكاننا
وربما نعجز عن نقل مشاعرنا وأحاسيسنا للآخرين
لأنهم لن يفهمونا كما نفهم نحن أنفسنا
فنكتفي بالصمت صديقا
ربما نهمس للبعض
ونرى بجرح مؤذ
كم هم جاهلون بنا
مخطئون في فهمنا
قاسون علينا
وتبدأ النظرات الخطرة تلاحقنا
وربما نرمى بكلمات تنخر في جسد راحتنا
وتحاصر فرحتنا
وتصادر حريتنا
ونفقد حرية البوح والنزف
ولا نجد فرصة للهمس بما نريد قوله وفعله والعيش فيه
فنلتزم الصمت مرة أخرى
وربما نرحل في قوارب السكون مرة أخرى
وقد تطول بنا الرحلة في عباب الهدوء والثورة الراكدة
وننسى أننا موجودون في هذه الدنيا
وتنفلت منا أحيانا كثيرة أنهار من الدموع
ولا نجد من يفهمها
بل ونتحاشى أن يراها غيرنا
لأنها قوة لنا على الحياة الصعبة
والغير يظنها ضعفا واستكانة
ولكنها أنس وراحة لنا
علها تغسلنا من همومنا
وتزين وجوهنا بعدما أنهكتها منعرجات الحزن
وتجاعيد الأسى المبكرة
ربما نرسم بأناملنا ونكتب بأقلامنا
أشياء للفرح الوحيد
ويكفينا أننا لا زلنا نمتلك القدرة على تغيير شعورنا للأحسن
أو حتى نملك القوة على التظاهر بغير ما نحس به
كي لا نلفت نظر الناس إلينا
وينشغلون بنا
وفي كل هاته الأوقات العابرة والماكثة والتي مرت وتمر
نبحث عن روح تفهمنا
علها تقاسمنا لحظات الحياة وتجبر بخاطرنا المتعب.