فن التعامل مع الناس
الانسان – كما هو معلوم – مكون من عدة قضايا
فهو ليس آلة من الالات وإنما هو إنسان بروحه وجسمه وعقله ومشاعره
وهو محتاج إلى تغذية هذه الامور كلها وبعض الناس يخطئون عندما يتعاملون مع الانسان – في الجانب الدعوي مثلا – إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو العقل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الانسان الذي يتعاملون معه .
وهناك أصحاب المصانع الذين يتعاملون مع الجسم : كم ينتج ؟ كم ساعة يعمل ؟ ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب المشاعر .
كثير من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع الانسان ولكن لابد من التركيز عليها كاملة حتي يكون التعامل مع الانسان شاملا ومؤثرا , هذا التعامل الذي أتحدث عنه يختلف الاثر الناتج عنه بسبب محتوى الكلام أو طريقة الكلام أو السلوك المصاحب للكلام .
فقد يقول إنسان كلاما معينا تحس منه أن هذا الانسان يقول من قلبه , واخر يقول الكلام نفسه غير انك تحس انه يقوله من فمه .
شخص يقول جزاك الله خيرا وثاني يقول : الله يجزيك الخير والثالث يقولان الكلمة من قلبيهما وهذا يحتاج الي تدريب ويحتاج الي ممارسة فانسان يكلمك وهو ينظر اليك فهو يحترمك ويقدرك وهذا يختلف عن انسان يكلمك وهو ينظر الي ورقة امامه او الي مكان اخر حتي اذا سكت عن الحوار قال لك : تفضل اكمل وهو ينظر الي الارض مثلا , ان هذا غير مهتم بك تلك امثلة متعلقة بالسلوك المصاحب للكلام .
دوافع المعاملة الحسنة مع الناس
تختلف الدوافع باختلاف عقائد الناس ونظرتهم للحياة .
فدوافع الشخص المسلم مختلفة عن غير المسلم الذي قد تكون دوافعه مصلحية – يصدق معك يكون باشا في وجهك يكون وفيا للموعد معك فيأتي في الوقت المحدد – ويكون الدافع لذلك كله المصلحة الشخصية التي يحتاجها , او يكون الدافع الخوف من المضرة او العقاب .
فقد يكون الانسان امينا لايسرق بدافع الخوف من الرقابة الخارجية .
ويحلو للبعض ان يتحدث باعجاب عن الامانة في امريكا لكن عندما تذهب الرقابة الخارجية فان الاخلاق الحقيقية تطهر .
واليكم هذا المثل : توقفت الكهرباء لمدة ثماني ساعات في احدي الولابات الامريكية , وكانت حادثة مشهورة اذ سجلت فيها اكثر من خمسة الاف سرقة في هذه الولاية فقط لان الكاميرات التي كانت تراقب الناس توقفت , فاصبح من السهل علي الانسان ان يحمل سريرا من محلات الاثاث ويخرج به دون ان يراقبه آلة او انسان .
اما المسلم فتحركه دوافع اخرى....
قضايا تحبها الناس وقضايا يكرهونها
والحديث هنا عن بعض القواعد الثابتة والمشتركة بين كل الشعوب , والتي تنطلق من القطرة , يستوي التعامل فيها مع المسلم وغيره , مع المسلم من الشرق او من الغرب , لنتعلم هذه القضايا او بعضها حتي تمارسها عمليا , وقد تمتد تلك الممارسة الي سنوات حتي نتخلص من طبع سيى يكرهه الناس , او تكتسب طبعا طيبا يحيه الناس .
وكذلك الحديث عن التعامل مع الاسواياء من الناس .
اما الشواذ فتكون لهم معالجة فردية فالسوي من الناس من اذا اكرمته عرف المعروف , والشاذ من يتمرد وقد قال الشاعر :
اذا انت اكرمت الكريم ملكته *** وان انت اكرمت اللئيم تمردا
فيكون الحرص علي اكرام الناس باعتبارهم اسوياء , انا الشواذ فانهم يعالجون معالجة فردية خاصة .
فكيف نتعامل مع الناس – كل الناس – مع اختلاف في التطبيق ؟
فقد تختلف طريقة التعامل تبعا لاختلاف العلاقة : الوالد مع ولده , الزوج مع زوجته , الرئيس مع مرؤسه , والع... .
ولكن القواعد الكلية يمكن ان يكبقها الجميع , فتختلف ايضا باختلاف الافهام والعقول , فالرجل الذكي الفاهم الواعي تختلف طريقة تعامله عن الشخص الاخر المحدود العلم , فالحديث معه يكون مناسبا لطبيعته وقدرته علي الفهم .
يقول ابن مسعود – رضي الله عنه :- ما انت محدث القوم حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان فتنة لبعضهم .
فاذا تحديث احد باكثر من مستوى السامعين فان الجديث يكون فتنة لبعضهم , فقد لا يفهمه بعضهم , وقد يفهمونه خطا , وحينئذ يصبح الحديث شبهة .
ويختلف اسلوب التعامل ايضا باختلاف الشخصية , فطريقة التعامل مع شخص شكاك وحساس تختلف عنها مع شخص سوي , فالطريقة تختلف باختلاف الشخصيات والصقات التي تكون بارزة فيهم .
الناس يكرهون النصيحة في العلن
لايختلف اثنان في ان النصيحة في العلن يكرهها الناس , لان كل الناس : يكرهون ان تبرز عيوبهم امام غيرهم , كل الناس , مسلمهم وكافرهم لا يحبون ان ينصحوا في العلن , ولكن اذا اخذ الرجل جانبا ونصح علي انفراد فان ذلك ادعى للقبول , وادعى لفهم المسألة , ولا حبك الرجل , لانك قدمت اليه معونة , واسديت اليه خدمة بان نصحته وصححت خطأه .
ويعبر الامام الشافعي – رحمه الله – عن ذلك بقوله :
تعمدني بنصحك في انفرادي **** وجنبني النصيحة في الحماعه
فان النصح بين الناس نوع من **** التوبيخ لاارضى استـــماعه
فان خالفتني وعصيت قــــولي **** فلا تجـرع اذا لم تعط طاعه
أي : اذا انت خلفتني في امر من الامور وجئت بنصيحتي امام الناس , فلا تعضب ولا تتضايق اذا لم استجب لك ولم اطعك , هذه طبيعة النفس البشرية الا من تجرد ووصل الي حد من التجرد , بحيث يقبل النضيحة وان كان ينزعج ايضا للاسلوب , وكم من الناس عندهم ذلك التجرد ؟!
وكذلك بعض الناس يريد ان تكون النتائج فورية , فيحب من الناس ان يغيروا ما بهم بمجرد ان ينصحوا .
يريد ان ينصح في المجلس ويريد ان يستجيب الناس ويغيروا ما بهم في ذلك المجلس ! فيكون مخطئا في تقديره وغير فاهم لطبيعة البشر اذ لابد ان ياخذ الناس فترة كافية للتفكير , وفرصة مناسبة للانسحاب .
الناس يكرهون من يعاملهم باستعلاء
الناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعلاء مهما كان هذا الانسان , حتي لو كان من كان داعية - عالما – معلما – لانهم لايحبون من ينظر اليهم نظرة استعلاء , ولذلك كان هناك حث علي ان يكون الانسان متواضعا , وان كان في مقام التعليم او الرئاسة .
روي هارون بن عبدالله الجمال فقال : جاءني احمد بن حنبل بالليل – انظروا كيف يكون التصرف – يريد ان يصحح خطأ , فدق علي الباب , فقلت : من هذا ؟ فقال : انا احمد لم يقل الشيخ احمد .
فبادرت وخرجت اليه فمساني ومسيته .
فقلت : حاجة ابي عبدالله ؟ ( أي : ماحاجتك؟ )
قال : شغلت اليوم قلبي .
فقلت : بماذا يا ابا عبد الله ؟
قال : جزت عليك اليوم وانت قاعد تحدث الناس في الفيء (الظل) والناس في الشمس بأيديهم الاقلام والدفاتر .
لاتفعل مرة اخري .
اذا قعدت فاقعد مع الناس .
انظر كيف كانت النصيحة – والذي روى الحادثة ليش الامام احمد , وانما ذلك الشخص الذي تأثر بالنصيحة – انظروا الى هذا السلوك الطيب : يزوره بالليل , ثم يبدي مشاعره وحرصه عليه – شغلت قلبي – لم يقل : اسأت للناس .
وهذه وسيلة من الوسائل ان تتحدث عن مشاعرك انت .
فتقول : انا اشعر ان الموضوع ليش كذا .
عندئذ يشعر الشخص بالخطأ ويكون ادعى لقبول النصيحة .
وهكذا , فإن النظرة الى الناس يجب ان تكون نظرة اشفاق وحمة .
نظرة الطبيب الى مريضه , فقد اكون مشفقا على شخص كنت انا مثله , ولاتكون نظرة احتقار وازدراء .
الناس يكرهون من ينسب الفضل لنفسه
الناس يكرهون دائما من ينسب الفضل لنفسه , واذا حدث اخفاق او خطأ القى بالتبعة علي الاخرين , واذا حدث نجاح نسبه الى نفسه , فكل الناس يكرهون ذلك الانسان ويكون منبوذا : يكون زوجا منبوذا , رئيسا منبوذا , صديقا منبوذا .
والرئيس بحق هو الذي يسأل عند الاخفاق , وليس الذي ينسب النجاح لنفسه , فاذا اردت ان تعرف من هو الرئيس في أي مؤسسة – اقتصادية , او تجارية , او دعوية – فاسأل : من الذي يكون مسؤولا عند الاخفاق ؟والانسان السوي يسعد ان اخذ الناس افكاره ويعمل دون الحديث عن ذاته يقول سيد قطب – رحمه الله في كتيب هو عبارة عن رسالة ارسلها الى اخته : التجار وحدهم الذين يحرصون علي العلاقات التجارية لبضائعهم حينما يستغلها الاخرون ويسلبونهم حقهم من الربح , اما المفكرون واصحاب العقائد فكل سعادتهم ان يتقاسم الناس افكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها الى حد ان ينسبوها الى انفسهم لا الي اصحابها الاولين .
ولذلك يجب على المرء ان يحرص على ان يدع الناس يشعرون ان الفكرة فكرتهم ويتبنونها هم كي يتحمسوا لها ويعملوا بها .
الناس يحبون من يقدرهم ويحترمهم
الانسان بطبعه يحب من يحبه ويحترمه ويقدره .
فان لم ير تقديرا ولا احتراما فلا يقدر ولا يحترم بعض النظر عن المستويات , فالصغير يقدر الكبير اذا قدره الكبير ولذلك فمن المهم البحث عن الكوامن الطيبة في الانسان وإثارتها وتشجيعها , وعدم احتقاره بل تقديره واحترامه ومشاورته حتي ان لم يستفد برأيه , فيكفي ان يستشار ويدلي برأيه في المسألة .
ولذلك يقول سبحانه وتعالي : (( وشاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله )) ]آل عمران : 159[ قد تشاورهم وقد ترى رأيا آخر غير الذي يرون , فإذا عزمت عليه فتوكل علي الله .
ويقول صاحب لمحات في فن القيادة : تنشأ ضرورة الشعور بالتقدير من الحاجة الى اثبات الشخصية لحب النجاح .
فاذا قام المرء بعمل حسن وشعر بالتقدير وخاصة من رؤسائه , وثق من نفسه وانطلق بقوة جديدة .
فأنت تبني الثقة في الانسان عندما تشعره انه قدم عملا طيبا , ولكن البعض يقول ع... ذلك , يقولون : لاتشعره بأنه قدم حسنا لئلا يشعر بالغرور .
ويقول صاحب الكتاب ايضا : كلما اكتشفتهم في المرء الصفات الحسنة ازدادت دماثتكم في معاملته .
ولذلك اذا اردت ان تكون علاقتك حسنة مع انسان فابحث عن الاشياء الحسنة فيه , وسيكون هناك مزايا حسنة فى كل شخص تستحق التقدير .
ويقول صاحب كتاب فن القيادة ايضا : يرفض الانسان الذل ولكنه لايكره الخدمة والعمل , بل يجد فيهما ارضاء لغريزة الاخلاص فيه , شريطة ان يكون متأكدا من احترام رئيسه وتقديره له وثقته به ومعاملته كإنسان .
الناس يحبون من يناديهم باحب اسمائهم
الناس يحبون ان ينادوا باحب اسماء اليهم : بامحمد , با ابا فلان .
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم بنادي اصحابه باحب اسماء اليهم , حتي الاطفال الصغار كان يكنيهم احيانا .
يقول صلي الله عليه وسلم : يا ابا عمير ماذا فعل النغير؟ .
وابو عمير هذا طفل صغير .
ويرجع البعض نجاح بعض القادة من الرؤساء وغيرهم الى انهم كانوا يحفظون اسماء الناس احيانا , وهذا له اثر عند الناس .
وقد لايعرف المرء اسماء الناس او ينساها ولكن السيىء الايسألهم عنها اذا قابلوه , وهذا يدل علي عدم الاهتمام .
والسؤال عن الاسم يدل علي تمام الاهتمام .