النبوة والمعجزة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
النبوة والمعجزة
قال الله تعالى {ولقد بعثنا في كل أُمةٍ رسولاً أن اعبدوا اللهَ واجتنبوا الطاغوتَ فمنهم من هدى اللهُ ومنهم من حَقَّت عليه الضلالة} النحل.
اعلموا رحمكم الله بتوفيقه أن النبوة اشتقاقها من النبأ أي الخبر لأن النبوة إخبار عن الله تعالى، أو اشتقاقها من النَّبْوة وهي الرِفْعَة. فالنبي يُخبر عن الله بما يوحى إليه.
والنبوة جائزة عقلا وليست مستحيلة. وأن الصفوة المختارة من عباد الله الذين هم الأنبياء والمرسلون شَرَّفهم اللهُ بالنبوة وأعطاهم الحكمة ورزقهم قوةَ العقل وسدادَ الرأي واصطفاهم ليبلغوا أوامره إلى عباده ويحذروهم غضَبَه وعقابَه ويرشدوهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
النبوة اصطفاء واختيار
والنبوة فضل إلهي وهبة ربانية يخص الله بها من يريد من خلقه. والنبوة ليست مكتسبة فهي لا تدرك بالجد والتعب ولا تنال بكثرة الطاعة والعبادة إنما هي اصطفاء من الله واختيار فلا تكون إلا لمن اختاره الله واصطفاه لحمل هذا الشرف العظيم، قال الله تعالى: {إن الله اصطفى آدمَ ونوحا وآلَ ابراهيم وآل عمران على العالمين} آل عمران.
وقال تعالى في حق الأنبياء {وكلاً فَضَّلْنَا على العالمين} الأنعام.
وحين اعترض المشركون على رسالة سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأنكروا أن تنزل الرسالة على يتيم ليس له من مظاهر السلطان والملك ما يجعله في نظرهم عظيماً رد اللهُ عليهم بقوله {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. أهم يَقْسِمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتَهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضَهم فوقَ بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضُهم بعضَاً سخريا ورحمتُ ربك خير مما يجمعون} الزخرف. فالنبوة اصطفاء من الله سبحانه يختار لها من شاء من خلقه.
تعريف المعجزة
إن النبوة هي سفارة بين الحق تعالى وبين الخلق، ثم السبيل إلى معرفة صدق النبي المعجزة. والمعجزة هي: أمر خارق للعادة يظهر على يد من ادَّعى النبوة مقرون بالتحدي موافق للدعوى سالم من المعارضة بالمثل.
وادعاء النبي للنبوة هو ادعاء صدقٍ مؤيد بالمعجزات كانفجار الماء الزلال من بين أصابع النبي وعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم عليه السلام.
فما كان من الأمور عجيباً ولم يكن خارقا للعادة فليس بمعجزة كصناعة الطائرات. وكذلك ما كان خارقا لكنه لم يقترن بدعوى النبوة كالخوارق التي تظهر على أيدي الأولياء اتباع الأنبياء فإنه ليست بمعجزة بل يسمى كرامة. كالذي حصل لأبي مسلم الخولاني حين رماه مسيلمة الكذاب في النار العظيمة ولم تحرقه. وكذلك ليس من المعجزة ما يُستطاع معارضَتُه بالمثل كالسحر فإنه يعارض بسحرٍ مثله.
والمعجزة قسمان: قسم يقع بعد اقتراح من الناس على الذي ادعى النبوة. وقسم يقع من غير اقتراح. فمن القسم الأول نحو قصة ناقة نبي الله صالح عليه السلام التي أخرجها من الصخرة. كان قومه اقترحوا عليه ذلك بقولهم: إن كنت نبيا مبعوثا إلينا لنؤمن بك فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقةً وفصيلَها (إبنها) فأخرج لهم ناقة معها فصيلها فاندهشوا وآمنوا به.
لأنه لو كان كاذباً في قوله أن الله أرسله لما استطاع أن يأتي بهذا الأمر العجيب الخارق للعادة الذي لم يستطع أحد من الناس أن يعارضه بمثل ما أتى به فثبتت الحجة عليهم.
ولا يسعهم إلا الإذعان والتصديق لأن العقل يوجب تصديق من أتى بمثل هذا الأمر الذي لا يستطاع معارضته من قبل المعارضين.
فمن لم يذعن وعاند يعد مهدراً لقيمة البرهان العقلي. لأن البرهان العقلي يقضي بتصديق من أتى بالمعجزة وأنه نبي.
من المعجزات التي حصلت لمن قبل سيدنا محمد
ومن أمثلة المعجزات التي حصلت للأنبياء قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عدم تأثير النار العظيمة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم حيث لم تحرقه ولا ثيابه.
ومنها انقلاب عصا موسى ثعباناً حقيقياً ثم عَودُها إلى حالتها بعد أن اعترف السحرة الذين أحضرهم فرعون لمعارضته وأذعنوا فآمنوا بالله وكفروا بفرعون واعترفوا لموسى بأنه صادق فيما جاء به.
ومنها ما ظهر للمسيح من إحياء الموتى وذلك أيضا لا يستطاع معارضته بالمثل فلم تستطع اليهود الذين كانوا مولعين بتكذيبه وحريصين على الإفتراء عليه أن يعارضوه بالمثل وقد أتى أيضا بعجيبة أخرى عظيمة وهي ابراء الأكمه (أي الذي وُلد أعمى) فلم يستطع أحد من أهل عصره معارضته بالمثل مع توفر الطب في ذلك العصر.
فذلك دليل على صدقه في كل ما يخبر به من وجوب عبادة الخالق وحده من غير اشراك به ووجوب متابعته في الأعمال التي يأمرهم بها.
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم
وأما معجزاته صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة جدا وقد رُوي عن الشافعي قوله: "ما أعطى اللهُ نبياً معجزةً إلا وأعطى محمدا مثلها أو أعظم منها".
فقيل له: أُعطي عيسى إحياء الموتى. فقال: أُعطي محمد حنينَ الجذع حتى سمع صوتَه فهذا أكبر من ذلك".
فمن معجزاته صلى الله عليه وسلم وعلى جميع إخوانه الأنبياء حنينَ الجذع وذلك أن النبي كان يستند حين يخطب إلى جذع نخل في المسجد قبل أن يُعمل له المنبر، فلما عُمِلَ له المنبر صعد صلى الله عليه وسلم فبدأ بالخطبة وهو قائم على المنبر فحنّ الجذع حتى سمع حنينَه من في المسجد. فنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه فسكت.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تفجر الماء من بين أصابعه بالمشاهدة في عدة مواطن في مشاهد عظيمة ولم يحصل ذلك لغير نبينا حيث نبع الماء من عظمه وعصبه ولحمه ودمه. والتحقيق أن الماء كان ينبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع وبه صرّح النووي في شرح مسلم ويؤيده قولُ جابر رضي الله عنه: فرأيتُ الماءَ يخرج. وفي روايةٍ ينبع من بين أصابعه.
ومن معجزاته تسبيح الطعام في يده وردّ عين قتادة رضي الله عنه بعد انقلاعها.
ومن معجزاته المعجزة الباقية الدائمة القرآنُ الكريم. وقد تحدى النبي فصحاءَ العرب وبلغاءَهم أن يأتوا بآيةٍ من مثله فلم يستطيعوا. ومَنْ بَعدهم أعجز منهم لأنهم أضعفُ منهم من حيث الفصاحة والبلاغة.
أخي المسلم، مهما حاول المشككون الملحدون أن يثيروا الغبار وأن يفتروا الكذب وينشروا الضلال فهم حتما خاسئون. ولكل فِرية وشُبهة يثيرونها الرد المناسب والحجة البليغة عندنا. وأن أمواج ضلالهم العاتية لتت...ر عند صخور أدلتنا وحقيةِ دعوتنا.
أخي المسلم، إن بعثة الأنبياء هي رحمة للعباد. وبعد أن جاءنا الهدى وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وقامت علينا الحجة به فلا عذر، وقد قال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} الإسراء.
فاجتهد في طلب علم الدين وتتبع معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم الأدلة العقلية والنقلية للرد على الملحدين تكن من الفائزين.
إنْ كانَ موسى سَقَى الأسباطَ من حَجَر *** فإن في الكف معنىً ليسَ في الحَجَرِ
إن كان عيسى بَرَا الاعمى بدعوته *** فكَمْ براحتِه قد ردَّ من بَصَرِ
صلوات الله وسلامه على سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه الأنبياء.
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تثبتني على الإسلام.